إن استخلاص المنهج مطلب ضروري ، بيد أنه ليس بالأمر اليسير ، خلافاً لما قد يتوهمه بعضهم حين ظنوا أن ( المنهج النبوي ) على طرف الثمام ، وأن نظرة عجلى على السيرة العطرة ، أو جزء من السنة المطهرة ، أو انتقاء مقاطع من هنا أو هناك كافية للإحاطة بهذا المنهج الفذ ، وبناء حتميات تاريخية على تلك الأفهام العجلة . وتصوُّر بعضٍ أن بالإمكان إعادة إنتاج العهدين المكي والمدني ، أو تمثيلهما في أي واقع يُعد مجازفة كبيرة. إن المنهج حين يطلق في إطار معرفي إنما يراد به قانون ناظم ضابط يقنن الفكر ويضبط المعرفة التي إن لم يضبطها المنهج فقد تتحول إلى مجرد خطرات انتقائية - مهما كانت أهميتها - لا يمكن تحويلها إلى ضوابط فكرية وقوانين معرفية تنتج الأفكار وتولد المعارف وتضبط حركاتها وتميز بينها ؛ فبالمنهج يمكن أن نحدد طبيعة المعرفة وقيمتها وحقل عملها واتجاهاتها وكيفية البناء عليها والتوليد منها ... إن أي فكر تتضارب مقولاته وتتناقض لا يعتبر فكراً منهجياً حتى لو تمكن أصحابه من تقديم مختلف التأويلات التوفيقية : كالتأويل ، والمقاربة ، والتلفيق ، وغيرها . ولذلك فإن إطلاق مصطلح : ( منهج النبي صلى الله عليه وسلم ) و ( المنهج الإسلامي ) على ما يصل الباحثون إليه باجتهاد شخصي أو فردي لا بد أن يُحتاط فيه ، كأن يقال :
يكفي دلالة على القناعة بأهمية دراسة السيرة تلك الكتابات المتكاثرة التي تحاول الإفادة من السيرة بأكثر من صورة . ولِما لمنهج الكاتب من تأثير في كتاباته فإن من المهم السعي إلى تحديد أطر منهجية ضابطة للدراسة والكتابة . وهذه محاولة لرسم بعض المعالم والضوابط أرجو بها النفع ، وأن تتبعها دراسات أكثر نضجاً من ذوي الاهتمام والاختصاص
يكفي دلالة على القناعة بأهمية دراسة السيرة تلك الكتابات المتكاثرة التي تحاول الإفادة من السيرة بأكثر من صورة . ولِما لمنهج الكاتب من تأثير في كتاباته فإن من المهم السعي إلى تحديد أطر منهجية ضابطة للدراسة والكتابة . وهذه محاولة لرسم بعض المعالم والضوابط أرجو بها النفع ، وأن تتبعها دراسات أكثر نضجاً من ذوي الاهتمام والاختصاص أولاً : حقيقة الإسلام ومنهجه المتكامل : يكتسب هذا القيد مكانته من جهة عجز من يفتقده عن قراءة أحداث السيرة قراءة موضوعية تمكنه من سلامة فهم الأحداث، وتقصي أسبابها ومعرفة دوافعها وتفسيرها بما يتفق مع روح الإسلام . فمن المهم "أن يُعنى بالجانب التشريعي الذي يحتكم إليه المجتمع ، وتوضح الضوابط الخلقية والقانونية التي تحكم حركة الأفراد والمجتمعات ، ولا يمكن الفصل بين الجانب السياسي والعسكري ، والجانب الخلقي والتشريعي ، خاصة في القرون الأولى من تاريخ الإسلام ؛ حيث تتشابك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بالعقيدة تشابكاً وثيقاً بحيث يصعب فهم حركة التاريخ في تلك المرحلة دون فهم روح الإسلام ومبادئه. إزاء هذا الضابط نرى أنفسنا أمام خطرين اثنين : أولهما : افتقاد بعض الباحثين والدارسين إلى المرجعية الشرعية .